الجمعة، 29 سبتمبر 2017

التسويق في اليابان و (تقديس) العملاء!


إنه أحد أيام الاحتفالات المقدسة في اليابان. يزدحم الناس احتفالاً بكامي (kami) أو الإله في ديانة الشينتو. يقوم اليابانيون في هذه الاحتفالات بحمل ضريح متنقل في أرجاء الحي يصاحبه ابتهالات وإنشادات راقصة طلباً للبركة وترفيهاً للإله.

هذا الاحتفال هو أحد أبرز طقوس العبادة لدى اليابانيين، ويستخدمه الكاتب لتصوير العلاقة بين العميل والبائع في الثقافة اليابانية. فيشبه العميل بالإله المقدس، الذي يتفضل على البائع بكونه أحد عملائه. ويصور الشركة بكامل موظفيها بحملة الضريح الذين لا يبتغون شيئاً سوى رضى العميل!



مفهوم التسويق وخدمة العملاء في اليابان يختلف كثيراً عن مفهومه لدى الغرب، بل وحتى عن الثقافة العربية. فالعلاقة ليست مكونة بين أطراف متساوية يملك كل منها حرية الشراء والبيع بناء على قرارات يتخذها بإرادته. بل العلاقة هرمية يكون للعميل القوة والفوقية على البائع وليس العكس. فلولا العميل لما وُجِدت الشركة ولم تحقق أي أرباح. وهذا ما يجعل خدمة العملاء الممتازة أمر مفروغ منه وأحد المسلمات في الثقافة اليابانية، وليست قيمة إضافية. يؤمن اليابانيون بأهمية رضى العميل التام عن أي مشكلة تحصل، فعندما يرفع العميل شكوى عن عطل في جهاز مثلاً، يقوم البائع بإصلاحه أو استبداله فوراً. فالبائع لا يأخذ المشكلة بشكل شخصي أبداً بل يبادر بحلها لأن المثالية جزء من الثقافة اليابانية وبالتالي يجب على الخدمة أن تكون بذات المستوى.


احترام العملاء يتضمن أيضاً استقبالهم والانحناء لهم، وكأنهم بذلك يشكرونهم على اختيارهم لهذا المكان عن غيره.

شاهدت تقريراً عن فندق باليابان يعد من أكثر الفنادق حصولاً على تقييم ممتاز في خدمة العملاء. والسبب يعود لصاحبة الفندق التي ورثته عن والدتها وتعلمت منها أصول إدارة الفندق منذ الصغر. فمنذ يومها الأول في العمل، بدأت بوظيفة بسيطة كشخص مسؤول عن ترتيب أخفاف النزلاء في منطقة الاستقبال، ومن هذه المهمة البسيطة صعدت السلم الوظيفي إلى أن ورثت الإدارة عن والدتها. لم ترث فقط إدارة الفندق بل تعلمت من والدتها الاهتمام الدقيق بتفاصيل النزلاء، فشاهدتها تارة تعدو راكضة لإعداد الغرفة لاستقبال زوجين يحتفلان بعيد زواجهما الخامس والثلاثين فور أن علمت بهذه المناسبة. وتارة تقوم بضيافة النزلاء شخصياً بسكب المشروبات لكل طاولة أثناء حفل عشاء. لكن ما أثار انتباهي هو قيامها بتحية كل نزيل جديد في غرفته والترحيب به شخصياً بانحناء متواضع جداً أقرب للسجود وينم عن احترام شديد للعميل.

لطالما أبهرنا الشعب الياباني بتفاصيل الأدب والاحترام المغروسة عميقاً في حضارتهم، وأعتقد أن بقية الدول غدت تعي أهمية رضى العميل المطلق في وقت سبقنا به الشعب الياباني بعشرات السنين.


* هذه المقالة مقتبسة من الفصل الأول من كتاب Relentless: The Japanese Way of Marketing