الأربعاء، 3 يناير 2018

فليأكلوا البراوني - Let them eat brownies!

ذكر جان جاك روسو قصة الأميرة العظيمة ذات الجملة الشهيرة "فليأكلوا الكعك" أو بترجمة أدق "فليأكلوا خبز البريوش" والتي نسبت للملكة ماري انطوانيت كردّها على الفقراء خلال المجاعة التي كانت تتعرض لها فرنسا في ذلك الوقت. لكن لغرض قصتنا اليوم، سنستبدل الكعك، أو خبز البريوش بالبراوني!

في مادة المسؤولية الاجتماعية - أحد المقررات التي درستها خلال الفصل الماضي - أهدانا الأستاذ قطعة براوني مغلفة بشكل جميل ومرتب قائلاً: "هذا البراوني هو ذات البراوني الذي تستخدمه شركة Ben & Jerry في صنع الآيسكريم." وهنا تلألأت أعيننا وزاد حماسنا لتذوق ما سيكون لذيذاً بكل تأكيد! إلا أنه أضاف: "هل ستأكلون هذه القطعة لو أخبرتكم أنها صنعت بيد سجين سابق؟" ترددنا جميعاً ولم نفهم كيف يمكن لسجين سابق أن يعمل في مصنع يورّد البراوني لشركة الآيسكريم العملاقة. وهنا تعرفنا على قصة مخبز Grayston الذي يتميز عن غيره بكونه يتبني سياسة التوظيف الغير مشروط أو open hiring policy.



بدأت قصة المخبز في عام 1982 حينما لاحظ بيرني قلاسمان أن حي برونكس في نيويورك يكتظ بأشخاص ليس لهم مأوى في حين أن هذا الحي يقع في أحد أغنى المقاطعات في نيويورك. ومن هنا أراد معالجة مشكلة الفقر عن طريق توفير فرص عمل تحسن من حياة العاملين. أراد بيرني صنع مخبوزات بالطريقة التقليدية، فكل شيء يتم صنعه في المخبز ولا يتم استخدام سوى المواد الخام. نجح المخبز ليصل دخله السنوي لخمسة ملايين دولار وتنوعت المنتجات بين كعك الشوكولاته إلى كعك الزفاف. أصبح الطلب على مخبوزات بيرني من مطاعم ومقاهي مختلفة ومعظمها يرتاده زبائن من الطبقة الغنية. وأصبحت شركة Ben & Jerry أكبر زبائن المخبز. باختصار بيرني كان روبن هود، يساعد الفقراء بأموال الأغنياء ولكن بطريقة قانونية.

تتلخص رؤية بيرني في تهيئة مكان عمل لأشخاص لم يتمكنوا من الحصول على فرص وظيفية إما بسبب انخفاض مستواهم التعليمي أو خلفيتهم الإجرامية أو حتى ظروفهم العائلية. كان بيرني يبيع الكعك لتوظيف الناس وليس توظيف الناس لبيع الكعك. سياسة التوظيف مفتوحة للجميع ولا يوجد أي مفاضلة بين المتقدمين سوى أن الأولوية لمن يأتي مبكراً. لا تقوم الشركة بسؤاله عن ماضيه بأي شكل، ولا يهمها سوى رغبته الجدية في العمل والتزامه بمهامه الموكلة إليه. وفي حال أثبت حماسه للتطوير فإن فرص الترقية متوفرة للجميع وتصل إلى منصب الرئيس التنفيذي.


توسع بيرني في مساعدته لأهل الحي باستئجاره مبنى سكني وتأجيره على عدد من موظفيه الجادين في عملهم والذين يرغبون في تحسين معيشتهم، فاشتمل المبنى على حضانة للأطفال ومقهى ترفيهي ثم افتتح مركزاً صحياً وبدأ بتمويل الموظفين لإتمام دراستهم الجامعية عن طريق إعطائهم منح دراسية. كبر حلم بيرني وأنشأ مؤسسة خيرية يتم تمويلها من أرباح المخبز كلياً.

من القصص التي شاهدتها في يوتيوب كانت عن تاجر مخدرات لم يجد وظيفة بعد خروجه من السجن. انضم لفريق قرايستن بأجر وقدره 5 دولارات في الساعة. سأله المذيع عن كيفية تقبله لهذا الأجر الزهيد مقابل ماكان يحصل عليه من تجارة المخدرات والتي تقدر بألفي دولار أسبوعياً. أجاب الموظف أنه قرر تغيير حياته لأجل توفير حياة كريمة لابنته. وبعد مرور 9 سنوات أصبح مديراً لعمليات المخبز كافة.

يؤمن بيرني بِدَور الشركات في تحسين وضع المجتمع. فلا يتعارض الربح مع خدمة المجتمع بل يمكن للشركات الربحية المساهمة بشكل كبير في تطويره. كم نحن بحاجة لشركات تدعم المجتمع بطرق مبتكرة لا تقليدية. فلا يمكننا أن ننتظر الجهات الحكومية لتوفير الوظائف أو الدعم المادي أو حتى التدريب. أن نستطيع تمكين شخص ما بالمهارات اللازمة لتحسين حياته بشكل مستدام سيكون أكثر فائدة وأعود بالنفع عليه وعلى المجتمع من حوله. كل شخص لديه الحق بالحصول على حياة كريمة طالما توفرت لديه الرغبة والالتزام، كل ما ينقصنا فقط هو توفير الفرص لمن يريد الحصول عليها.

للاستزادة يمكنك زيارة موقع المخبز: https://greyston.org/
أو مشاهدة قصة المخبز على يوتيوب: https://www.youtube.com/watch?v=rX5obQUMS28

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق